كيف يتم تصميم سيارات السباق، وكيف تؤثر دينامكا الهواء على تأديتها، وما هي أحدث الابتكارات التكنولوجية في تصميم السيارات.
في البداية، يعتبر موضوع ديناميكا الهواء أمراً حيوياً جداً. كما يجب أخذه بعين الاعتبار عند تصميم سيارات السباق حيث أنه كلما تحسنت ديناميكا الهواء حققت السيارة تأدية أفضل، مع انخفاض في استهلاك الوقود. بالإضافة إلى وثبات أعلى وسرعة أكبر أيضاً. ومن ناحية أخرى، لعل أبرز مثال واقعي على ذلك هو تصميم سيارة رِد بُل لسباقات الفورمولا .1 والتي كانت ولا تزال الأفضل منذ ثلاث سنوات وحتى الأن، بفضل ديناميكا الهواء المتقدمة جداً التي تتمتع بها. حيث هي التي يعود الفضل فيها إلى المهندس أدريان نيوي الذي يملك لقب عبقري ديناميكا الهواء.
كما أننا شهدنا مؤخراً تقدماً واضحاً لسيارات ماكلارين. والتي يبدو أن مهندسي الشركة تمكنوا من تحسين ديناميكا الهواء للسيارة بشكل جعلها تتفوق بالتأدية على رد بل.
تعريف ديناميكا الهواء
وقبل الخوض في موضوعنا اليوم، لا بد لنا من تعريف ديناميكا الهواء. وهكذا هي ببساطة تعرّف بدراسة كيفية تعامل الهواء الذي يرتطم بالسيارة مع هيكلها. وبعبارة أدق، كيفية تدفق هذا الهواء ومروره من جانب و أسفل هيكل السيارة وطريقة خروجه، إضافة إلى مدى تأثير ذلك على ثبات السيارة. ويكون التوجه بشكل عام نحو تقليل مقاومة الهواء (السحب Drag) وزيادة القوة التي تجبر السيارة على الالتصاق بالطريق (القوة الضاغطة أو الـ داون فورس Down Force) في سبيل تحسين الأداء.
تأثير مقاومة الهواء
بشكل عام؛ يقوم الهواء بمقاومة أي جسم يقوم باختراقه. وكما تزيد قوة هذه المقاومة بازدياد السرعة. لذلك، تسعى الشركات إلى جعل تصميم السيارة متوجهاً نحو تقليل السحب إلى الحد الأقصى الممكن. وذلك بجعل تصميم الهيكل بطريقة تجعل الهواء يتدفق حوله بسلاسة وسهولة. وفي النهاية هذا الأمر الذي يخفض الاضطرابات الهوائية حول السيارة ويزيد من ثباتها.
ولكي تتمكن الشركات من تقييم مدى نجاحها في تصميم هيكل إنسيابي، تقوم ببساطة بقياس معامل السحب والذي يُرمز له بـ Cd أو Drag Coefficient. فكلما انخفض هذا المعامل كانت انسيابية السيارة أفضل ومقاومتها للهواء أقل وضجيج ارتطام الهواء بها أخف. وبالتالي، استهلاكها للوقود أخفض. ولكي تتمكن الشركات من قياس نسبة الإنسيابية تستخدم نفق الهواء Wind Tunnel، والذي يستخدم برامج حاسوبية متقدمة ومحاكاة مناسبة لتحقيق ذلك القياس بدقة.
زيادة الـ داون فورس
القوة الضاغطة أو الـ داون فورس، والتي نسمع عنها بشكل دائم عند الحديث عن سيارات الفورمولا 1 هي ببساطة وكما يوحي اسمها القوة التي تضغط السيارة نحو الأرض. كما تساهم في التصاق إطاراتها بالطريق لتحقيق المزيد من التحكم والثبات عند السرعات العالية في الطرق المستقيمة والمنعطفات. وبالإضافة لذلك تستخدم الشركات الأجنحة الأمامية والخلفية ومشتتات الهواء (ناشرات الهواء Diffuser) لتحسين الـ داون فورس.
أما من جهة أخرى، وبالنسبة للأجنحة الأمامية فتساهم في زيادة القوة الضاغطة على المحور الأمامي والذي يحمل العجلات الأمامية. وبالمثل يقوم الجناح الخلفي بنفس المهمة فيما يتعلق بالمحور الخلفي والعجلات الخلفية. كما ويتم تصميم تلك الأجنحة وزوياها وانحنائها بطريقة تجبر الهواء على ضغط السيارة نحو الأسفل لتحقيق المزيد من الـ داون فورس.
التوازن الديناميكي
ومن ناحية أخرى؛ من العوامل الهامة أيضاً والتي يجب مراعاتها أثناء تصميم هيكل سيارة السباق هو انخفاض مركز ثقل السيارة. والذي كلما كان أقرب إلى سطح الطريق، كان ثبات السيارة أفضل وخاصة في المنعطفات. كما أن التوزيع المثالي للوزن بين المحورين الأمامية والخلفي للسيارة يساهم بشكل فعال جداً في ثباتها عند المنعطفات أو عند مواجهتها لريح جانبية قوية.
أحدث الابتكارات في ديناميكا الهواء
عند استخدام الشركات لنفق الهواء لدراسة إنسيابية السيارة وطريقة تدفق الهواء من فوقها وتحتها وجانبيها فإنها تستدل على ذلك بـأمرين. أولهما هو المحاكاة الحاسوبية المتقدمة، وثانيهما هو الخطوط المرئية التي تظهر جراء وضع نفاثات زيت أو بخار ماء أمام السيارة. حيث تساعد تلك النفاثات بشكل مرئي كيفية على إظهار مسير الهواء بدقة حول السيارة ومن كافة جوانبها. وفي النهاية، هذا الأمر الذي يعزز المحاكاة الحاسوبية ويضمن التوصل إلى نتائج في غاية الدقة.
ومن جهة أخرى، فإن الشركات تقوم باستخدام مواد متقدمة في صنع هيكل السيارة. والتي من شأنها جعل ملامسة الهواء لها أكثر سلاسة. على سبيل المثال نجد ألياف الكربون، والتي تساهم أيضاً في تخفيض وزن السيارة، والألمنيوم الأخف وزناً من الفولاذ. الأمر الذي ينعكس إيجابياً على التأدية.
الاستدامة وديناميكا الهواء
تبذل شركات تصميم السيارات جهوداً كبيرة في تحسين الإنسيابية. وهذا ليس فقط لسيارات السباق، وإنما للسيارات العادية أيضاً. وهكذا ببساطة سينعكس إيجابياً على انخفاض استهلاك الوقود. وبالتالي، إنخفاض نسبة الانبعاثات والتوجه نحو الاستدامة وحماية البيئة التي باتت الشغل الشاغل لكافة الشركات.
وبالتوازي مع تحسين الإنسيابية، تتوجه الشركات أيضاً نحو اعتماد تقنية هجينة للمحركات. والتي يتم فيها تزويد السيارة بمحرك كهربائي. بالإضافة إلى محرك البنزين، وبحيث يعمل المحرك الكهربائي ضمن زحمة السير أو أثناء السير لمسافات قريبة في المدينة مما يعزز الاستدامة.
وذهبت الكثير من الشركات إلى أبعد من ذلك. حيث قامت بتزويد سياراتها بمحركات كهربائية فقط والتي تعتبر المساهم الأكبر في الاستدامة فيما يتعلق بقطاع السيارات. وبالمثل، حتى في سيارات لفورمولا 1 التي تعتبر الأسرع في العالم، فإن الاستدامة باتت هاجساً وهدفاً. كما تتوجه الشركات نحو تحقيقه، ولقد صدرت القوانين الجديدة للعام 2026. حيث أنها تفرض على سيارات الفورمولا 1 استخدام وقود حيوي بنسب انبعاثات منخفضة جداً مع زيادة دور المحرك الكهربائي في وحدة الطاقة التي تزود السيارة.
التطورات المستقبلية
من المتوقع أن تستمر الابتكارات في الديناميكا الهوائية في دفع حدود الأداء. حيث يمكن أن تساهم التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تطوير تصميمات أكثر فعالية. كما يمكن أن تحسن الأنظمة الذكية من الأداء من خلال تحليل البيانات في الوقت الحقيقي وضبط العناصر الهوائية حسب الحاجة.
ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى معظم الصناعات، فإن تصميم السيارات أصبح موضوع تعتمد عليه العديد من الشركات. وبالإضافة لذلك، سوف يزيد هذا الاعتماد مستقبلاً. حيث يمكن لذكاء الاصطناعي أن يساهم بشكل أكثر فعالية في تصميم هياكل أكثر إنسيابية، الأمر الذي يعني انخفاضاً في استهلاك الوقود وانبعثات أقل والتزاماً أكثر بالاستدامة.
وختاماً، فإن ديناميكا الهواء تعتبر أحد أهم العوامل في تصميم سيارات السباق بشكل خاص، وبقية السيارات بشكل عام. علاوة على ذلك نجد أن التوجه العام وبشكل حثيث جداً هو نحو الاستدامة. والتي ستقرؤون عنها في كل موضوع نتناوله لأنها الشغل الشاغل للدول والحكومات، وخاصة بعد الترفع الحروري الخطير الذي طرأ على مناخ الأرض تم اعتباره تهديداً لأشكال الكثير من الكائنات وأولها نحن البشر.