كيف يبدو مستقبل القيادة الذاتية للسيارات، وأين نحن اليوم من هذا التقنية الثورية، وما هي انعكاساتها وتحدياتها على الواقع المروري.
لم يعد خافياً على أحد أن بعض السيارات اليوم باتت تقود نفسها بنفسها ولا بد أن الكثير منا قد شاهد فيديوهات حول هذا الموضوع، إلا أن القيادة الذاتية للسيارة لا تزال في مراحل التطور ولم يحقق أي من صانعي السيارات حتى الأن القيادة الذاتية البحتة رغم الاستثمارات الضخمة التي توظفها الشركات في هذا المجال. فأين وصلت مصانع السيارات الآن؟ وإلى أين تتجه في المستقبل القريب والمتوسط؟
ولكي نستطيع الإجابة على السؤالين السابقين لا بد من تسليط الضوء على بعض المفاهيم لكي نتمكن من توضيح الفكرة بشكل سلس وضمن تسلسل علمي ومنطقي مناسب.
مستويات القيادة الذاتية للسيارات
1. المستوى 0: وهي الطريقة التي يقوم بها أي منا بقيادة السيارة والتي تعني باختصار القيادة العادية دون أي تدخل آلي.
2. المستوى 1: هنا تبدأ أنظمة التحكم بالتدخل في مساعدة السائق ولكن ضمن مجالات طفيفة ومحدودة مثل التحكم التكيفي في سرعة القيادة
3. المستوى 2: هنا يتم السماح بتدخل أكثر للأنظمة المساعدة للسائق بشرط أن تزود السيارة بأنظمة متقدمة قادرة على تقديم تلك المساعدة والتي لن تتجاوزالقيادة الذاتية في المسارات.
4. المستوى 3: يتم مع هذا المستوى من القيادة الذاتية منح السيارة المزيد من الصلاحيات في اتخاذ القرارات ولكن في بعض الظروف دون إلغاء دور السائق إذا يتم السماح له بالتدخل في أية لحظة وخاصة عندما يشعر بالخطر أو أن السيارة لن تستطيع التصرف بمفردها.
5. المستوى 4: وهنا فقط يمكن للسيارة التصرف في كل الحالات والظروف بدون استثناء ودون أي تدخل من السائق ولكن جوهر تصميمها لا يزال يعتمد على وجود سائق فيها.
6. المستوى 5: في هذا المستوى فقط يتم تصميم السيارة بالأصل بدون الحاجة إلى سائق إذ أنها تتمكن من قيادة نفسها بنفسها وهذا ما نراه في بعض حافلات النقل الجماعي (الباصات الصغيرة) التب باتت تنتشر في بعض المدن الأوروبية بشكل تجريبي.
أما التوجه الحالي لشركات السيارة التي تعتمد القيادة الذاتية فإن معظمها يطبق ويحسن القيادة الذاتية للمستويين 2 و3 ويقوم بتطويرالقيادة الذاتية للمستويين 4 و5 عبر إجراء الأبحاث العلمية المترافقة مع التجارب العملية لذلك المستويين من القيادة.
ومن أهم الشركات الرائدة في هذا المجال شركة تسلا Teslaالأمريكية، وبعض الصانعين الألمان الكبار مثل مرسيدس وبي إم دبليو. وقد يتفاجىء البعض عندما يعلم أن الشكات الأخرى المنغمسة في هذه التكنولوجيا والتي باتت تحقق فيها أشواطاً ليست شركات سيارات بل هم عمالقة التكنولوجيا في مجالات أخرى وهم جوجل Google باستخدام وحدة ويمو Weymo، وأوبر Uber المتخصصة في النقل وأبل Apple المتخصصة في الهواتف المحمولة.
وتستخدم كل تلك الشركات في تطوير هذه التكنولوجيا الثورية أجهزة الاستشعار (الحساسات) والردارات والكاميرات والليدات دون الاستغناء عن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتوج تناغم عمل تلك الأجهزة الالكترونية المتعددة مع بعضها البعض.
ومن الأمثلة على التجارب العملية التي باتت معروفة في الكثير من المدن نجد شركة ويمو (أحد فروع شركة جوجل) والتي تقوم بتشيغيل سيارات تكسي ذاتية القيادة في عدة مناطق في أمريكا، دون أن ننسى شركة تسلا الرائدة في هذه التقنية والتي تقدم نظام “القيادة الذاتية الكاملة Full Self-Driving” في معظم سياراتها الحالية ولكنه يبقى ضمن المستويات 4 و5 أي أنه تحت سيطرة سائق السيارة وتحكمه.
الصعوبات والتحديات التي تواجه القيادة الذاتية:
ولجعل الصورة أكثر وضوحاً فيما يتعلق بالتطبيق العملي لتقنية القيادة الآلية للسيارات، لا بد أن نستعرض الصعوبات والعوائق التي تواجهها بالإضافة إلى التحديات التي تنتظرها والتي يجب التغلب عليها جميعاً للوصول إلى المستوى الخامس من القيادة الذاتية، ونذكر من أهم تلك التحديات والصعوبات التالي:
1. سلامة الطريق ومن يستخدمونه:
فلقد ارتكبت بعض السيارات الذاتية القيادة أخطاء أدت إلى حدوث حوادث وأضرار للطرق ولمستخدميها الأمر الذي رفع علامة استفهام كبيرة حول مدى نجاح هذه التقنية ومدى قدرتها على الاستمرار والنجاة بنفسها بنجاح، لذلك عكفت الشركات المتخصصة من جديد على تطوير الأنظمة المتحكمة بالسيارة وسرعات استجابتها مع التحسينات المستمرة في البرمجيات التي تتحكم بعملها.
2. قوانين القيادة والطرق:
تؤكد كل الأخبار المتداولة في هذا المجال أنه لم تسمح أية دولة أو حكومة حتى الآن بالتطبيق الشامل لأنظمة القيادة الذاتية، وكل الحالات التي قرأنا عنها أو شاهدنا فيديوهات متعلقة بها كانت استثناءات تجريبية منحتها بعض الحكومات لبعض الشركات ولاتزال كل تلك الاستثناءات تحت الاختبار.
3. تفاعل السيارة ذاتية القيادة مع الإنسان:
مهما تطورت الأنظمة التي تتحكم بالسيارة الذاتية القيادة فإنها لم تتمكن حتى الأن بالتنبؤ بردود أفعال بعض البشر الذين يسيرون في الشارع مشياً على الأقدام، ولا بردود أفعال وسلوكيات السائقين الاخرين وهذا ما يجعل من هذه التقنية عاجزة حتى الآن عن القيام بمهامها بشكل مطلق مثل سائق السيارة.
:مستقبل القيادة الذاتية
مع التقدم المستمر في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وتقنيات الاستشعار، فإن المستقبل يحمل تطورات واعدة للقيادة الذاتية. من المتوقع أن تصبح الأنظمة أكثر كفاءة وموثوقية، مع تحسينات في البرمجيات والخوارزميات التي تمكن السيارات من التعامل مع مجموعة واسعة من السيناريوهات بشكل أفضل.
وللتغلب على كافة المشاكل المذكورة أعلاه، فإنه لا يزال أمام الشركات طريق طويل لتلافي كل تلك الأخطاء للتوصل إلى أنظمة متكاملة بكل معنى الكلمة، ويتوجب على تلك الأنظمة والحلول لتقنية أن تكون قادرة على تحقيق الإنجازات التالية:
1. التحديات والعوائق البيئية:
باعتبار أن كافة السيارات الذاتية القيادة تعتمد على مبدأ السيارة الكهربائية، فإن انتشارها سيكون سبباً رئيسياً في تخفيف نسب الانبعاثات وتحسين واقع المناخ العام للأرض.
2. المجتمع والأوضاع الاقتصادية:
هناك الكثير من الأشخاص في المجتمع غير قادرون على قيادة السيارة ومنهم الأطفال الذين يشكلون اكثر من ثلث المجتمعات وكبار السن الذين لم يعودوا قادرين على القيادة، دون أن ننسى أصحاب الاحتياجات الخاصة، وكل هوءلاء بحاجة إلى السيارة ذات القيادة الآلية والتي تواجه تحديات الانتشار وحل كافة المشاكل المتعلقة بالموثوقية المطلقة. كما أن انتشار هذه التقنية سينعكس إيجابياً على المجتمعات من الناحية الاقتصادية من نوحية توفير تكاليف وأزمنة النقل.
3. الاندماج مع المدن الذكية:
إذا أصبحت البنى التحتية للمدن من إشارات وأنظمة طرق وإدارة لحركة المرور مبنية على أساس القيادة الذاتية للسيارات (المدن الذكية) فإن تلك التقنية ستحقق قفزات نوعية وسريعة بتكامل عملها مع نظام المدينة الذكية.
وختاماً، فإن القيادة الذاتية للسيارات لا تزال في طور التطوير ولم تدخل حيز التطبيق العملي المتكامل لأن دخولها بهذا الشكل يتطلب تضافر كافة العوامل التي تؤدي إلى نجاحها وانتشارها بشكل كبير، ونلخص من جديد تلك العوامل التي تحتاج إلى دعم أكبر من الدول فيما يتعلق بالبنى التحتية وأنظمة الطرق وزيادة الاستثمارات في تطوير كل ما يساعد هذه التقنية وقوننة القيادة الذاتية للسيارة بحيث تكون كافة أطراف المتجتمع متقبلة لها ومستعدة للتعاطي معها كواقع قادم لا محالة.